|

"جريدي" فن القصة القصيرة إسهامات أدبية قديمة نشأت مع بداية الإنسان 

الكاتب : الحدث 2024-03-21 10:59:22

 


تقرير - ريفان هوساوي


القصة القصيرة أو ما تُعرف بالأقصوصة هي نوع أدبي وأقصر من الرواية كما تُشكل القصة القصيرة أحد أهم الأركان النثرية والسردية وتعتمد على جانب الانسجام مع الحدث دون التشتيت فيما تأخذ أدور هامة في الخيال والمشاعر والتأثير القصصي المشوق للقارئ، فمنذ قديم الزمان كان لعدد من الكُتاب تقنيات أدبية في الاقصوصة وإلى يومنا الحالي ونجد أن عدد كبير من القراء أصبح يتضامن مع فكرة قراءة الكتب التي تحمل عنوان "قصة قصيرة"، ونحن الحدث نسلط الضوء وتطرح بعض الأسئلة للكاتب والناقد الأدبي "د.سامي جريدي" في هذا الجانب.

كيف بدأت القصة القصيرة في الأدب؟ 
وأوضح "د.سامي "جريدي" قائلا: ليس هناك بداية محددة أو واضحة لهذا الفن السردي، فهو قديم قدم الإنسان، منذ أن بدأ الخلق والحكاية تنسج مع الإنسان للتعبير عن حالاته ومشاعره وعلاقاته مع الأشياء والحيوان، ولهذا لم تصلنا النصوص الأولى للقص لكندورا هناك بعض الأساطير والخرافات والحكايات الدينية التي وصلتنا عبر المشافهة وعبر ما تم العثور عليه مكتوباً أو مرسوما في التنقيبات الأثرية من أشياء مادية كانت تشير وتدل على وجود القص بين تلك الأجيال الغابرة، لكنها للأسف لم تصلنا بصورة واضحة أو كاملة، هذا من جهة ومن جهة أخرى هناك بعض النصوص القصصية جاءت ممزوجة بأجناس أدبية أخرى كالشعر الغنائي وهو ما سجلته بعض الملاحم اليونانية من قصص عن شخصيات سردية لها خصوصية فنية كالبطولة والحوار والصراع بين الخير والشر وهو ما نجده عند هوميروس وإسخيلوس ويمكن الرجوع إلى ملحمة الإلياذة والأوديسة.  

أذكر العرب والقصة قديماً:
وبين "جريدي" انطلق أدبنا العربي القديم من عوالم القص، وإن ذهب بعض الباحثين إلى أن الشعر قاد العرب في أدبهم إلى العالمية، صحيح أن العرب ذاكرتهم شعرية لكن هذا لا يلغ حقيقة الذاكرة السردية لديهم وعندهم، ولم يعرف بعضهم أن إسهامات الترجمة في العصر العباسي قد عنيت بالنثر العربي القديم قبل الشعر، ولهذا عُرف أدبنا النثري منذ فترة مبكرة.
وأضاف: رحلة سردية طويلة تنطلق من قصص ألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، ورسالة الغفران، وقصص الجن والغيلان، وقصة ابن طفيل الفلسفية، و قصص المغازي، من حروب القبائل كحرب البسوس وحروب داحس والغبراء، وقصص العشاق في العصر الأموي مثل: قصص مجنون ليلى، قيس بن الملوح، عشيق ليلى، وقيسن بند ذريح عشيق لبنى، وقصة وضاح اليمن، وقصة غيلان بن عقبة عشيق مي، وقصص عشاق بني عامر، وبني عُذرة الذين ماتوا بسبب الحب، وهناك قصص أدب الرحلة مثل: رحلة ابن بطوطة ورحلة ابن جبير، ورحلة ابن فضلان وغيرهم، وهناك السيرة الهلالية، قصص تجيء من العصر الجاهلي لتصل إلى عصر صدر الإسلام عصر رسول الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، حيث قصص تميم الداري الذي كان يقص في عهد عمر بن الخطاب، والقاص مالك بن دينار الذي كان يقول في قصصه: ما أشد فطام الكبير"؛ مروراً بالحسن البصري الذي قيل عنه "من كبار وعاظ العصر الأموي وقصاصه"، ومن معاصريه في القص والوعظ: الفضل الرقاشي وعبدالله بن شداد، القائل: "أرى داعي الموت لا يقع وأرى من مضى لا يرجع"؛ وهناك القاص الكبير: الجاحظ الذي عُرف بذلك في قصصه المتنوعة ورسائله الأدبية عن البخلاء والعرجان والبرصان والنوكى/الحمقى، وكذلك القاص الشاعر أبو العلاء المعري، صاحب رسالة الغفران ورسالة الصاهل والشاحج وغيرها من رسائله النثرية، حيث لم نسمع أحداً في أدبنا اطلق عليه قاص كما هو عرف بلقب شاعر لكن لم يقل أحد أنه قاص.

ما السبب في تغييب السارد عبر تاريخ ثقافتنا العربي العريق؟
واستهل قائلا: لعل الأسباب عديدة، يرتبط بعضها بالتراكم الثقافي والسياسي والديني الذي تعرضت له الفنون و الآداب العربية في مراحلها المتنوعة، ومن بين تلك الأسباب هيمنة الشعر وسلطته كفن أدبي على كل الآداب والفنون والعلوم، فهو ديوان العرب ولا ينظر إلى غيره كفن وأدب.
وفي حقيقة الأمر أن القص موجود في الشعر؛ أي لا يخلو من بنية السرد، وهو ما نجده في المعلقات التي قامت على الأبنية السردية، وكذلك القصائد التي تضمنت صوراً شعرية وسردية معاً مثل: قصة الثور الوحشي والفرس والمها والنعام، و الحمار الوحشي، وقصة الضعائن والرحلة والسفر.
كما ارتبطت القصة عند العرب في العصر العباسي بجانب فنون نثرية أخرى: كالخطابة والوصية والوعظ بآراء المتكلمين من معتزلة وأشاعرة، مما جعلها تأخذ اتجاهاً آخر. كما لا يمكن أن ننسى فن المقامات التي هي عبارة عن بناء قصصي عرف في العصر العباسي على يد مجموعة من رواده على سبيل المثال: مقامات الهمذاني، ومقامات الحريري، ومقامات المسعودي وغيرهم.
وظهر ارتباط فن المقامات في العصر الحديث لدى مجموعة من القاصين والروائيين المعاصرين عند محمد إبراهيم المويلحي وجمال الغيطاني وغيرهما مثلاً: المويلحي في عمله (حديث عيسى بن هشام) الذي تأثر بطريقة وأسلوب مقامات بديع الزمان الهمذاني، وعمل جمال الغيطاني في (الزيني بركات).

كيف ترى فلسفة الغربيين للسرد؟
من جهته ذكر الدكتور "سامي جريدي" من النقاد الذين لديهم فلسفة للقص يقابلنا الناقد والروائي الإيطالي (إمبرتو إيكو) في وصفه السرد بأنه يشبه الغابة وهو ما أجده وصفاً دقيقاً وعميقاً تكشف عن حقيقة تأويلية لهذا الجنس الأدبي: السرد. والذي أستطيع أن افهمه من خلال كتابه المعنوّن بـ(ست نزهات في غابة السرد) حيث دلالة الغابة المتنوعة التي ترمز إلى كثافة أغصانها ووعورة تفاصيلها الداخلية المليئة بأعداد مهولة من النباتات والزهور والأوراق والألوان والمناظر والأشكال التي يصعب على المصوّر الفوتوغرافي التقاط كل ما فيها من عوالم وكائنات بدقة متناهية.
أيضا ولعل ما أراه في مفهوم الغابة بمعزل عن (إيكو) هو أنها -أي الغابة- تفسير رمزي وفلسفي كبير للمكان السردي، فهي تحوي في عوالمها اللغوية السرية ومضامينها أشياء كثيرة تُرى، وأشياء أخرى أكثر منها لا تُرى، وهذه العوالم والأشياء لا يمكن رؤيتها إلا بقوة تركيز شديد ومحاولة تتبع الأثر والحدث الفعلي لسير الشخصيات في الرواية وبخاصة تلكم المتعلقة بالتفاصيل والأشكال المهمشة، إنها غابة في تشابكها اللغوي وكثرة إيحاءاتها وتحويلاتها اللغوية.
 
الفرق بين الرواية والقصة القصيرة؟
وذكر "جريدي" لقد أشغل النقاد أنفسهم في البحث عن مسألة الفرق بين الرواية والقصة وهذا هو الذي أبعدهم عن متعة الرواية والقصة وسبر أغوارها، نعم صحيح في المادة التعليمية نخبر طلابنا بأن هناك فرق بين الرواية والقصة القصيرة لكن في الحقيقة الفلسفية والجمالية العميقة هي ما تجعل المرء يرى نصاً سردياً لا يفرّق بينهما شيء شكلي أو خارجي كما يتصوره بعضهم في الحجم وعدد الصفحات وغيره، وإنما العمق والتركيب البنيوي  يجعل نصوص السرد ذات تكوين متشابه ومتقارب إلى حد كبير.

 هل قصص الأطفال تعتبر نوع في مجال القصة القصيرة أو تختلف؟
وقال "جريدي": هي من أجناس السرد المتصفة بالقص، لهذا أرى أن قصص الأطفال الناجحة هي التي تجمع ما بين اللغة والصورة، لأن الطفل في مراحله الأولى يهتم بالصورة بدرجة كبيرة ويركز في فهمه عليها وتعليمه أكثر من الكلمات المكتوبة.

كيف يعتني الكُتّاب بأركان القصة؟
وأوضح "د.سامي جريدي" إن كُتّاب القصة يختلفون في ذلك من حيث عنايتهم وحرصهم على تطبيق المعايير الفنية للقصة من أسس وعناصر وأركان، فهناك من يحرص على أن لا يخرج عن هذه الأركان فيقوم بتوفرها في قصته، وهم في الغالب أصحاب الاتجاه الكلاسيكي والتقليدي فهم ينهجون الطريقة القديمة في السرد.
وهناك الاتجاه الثاني وهم أصحاب التطوير والتجديد لهذه الأركان والعناصر الفنية فهم حددوا فيها وأحدثوا تغييرا في البناء والفكرة، وهم جيل الواقعية الانتقادية كما يطلق عليه وأمتاز بالوصف التفصيلي والابتعاد عن حشد الأحداث والشخصيات.
أما الاتجاه الثالث فهو التجريبي: والذي ظهر فيه الكُتّاب أكثر حرية ومغامرة مع أركان القصة، فقد تمردوا عليها وكسروا قواعدها ولم يلتزموا بها، فظهرت بعض قصصهم غريبة وغامضة ومعقدة، ولعل المهم في ذلك على تنوع الاتجاهات واختلافها أن لكل كاتب أهداف وغايات مشتركة ومتشابهة يكمن فيها هدفه الذي يريد إيصاله للمتلقي، كما أن له غايته التي يريد تحقيقها من خلال العمل القصصي.

نصيحة لكل كاتب أو من يريد أن يصبح كاتباً:
ونوه د. سامي في ختام تقريرنا عليك بالقراءة ثم القراءة ثم القراءة وأن تقرأ في كل شيء وعن كل شيء فهي وقود الكلام ومجرى الحديث ومنبع السرد.  
إضافة إلى ذلك دع الخيال يلعب دوره ويتسع لأن القص بلا خيال ومجاز وصور سرد ناقص ومبتور.
مضيفًا: وهناك الاتجاه الثاني وهم أصحاب التطوير والتجديد لهذه الأركان والعناصر الفنية فهم حددوا فيها وأحدثوا تغييرا في البناء والفكرة، وهم جيل الواقعية الانتقادية كما يطلق عليه وأمتاز بالوصف التفصيلي والابتعاد عن حشد الأحداث والشخصيات.
أما الاتجاه الثالث فهو التجريبي: والذي ظهر فيه الكُتّاب أكثر حرية ومغامرة مع أركان القصة، فقد تمردوا عليها وكسروا قواعدها ولم يلتزموا بها، فظهرت بعض قصصهم غريبة وغامضة ومعقدة.
ولعل المهم في ذلك على تنوع الاتجاهات واختلافها أن لكل كاتب أهداف وغايات مشتركة ومتشابهة يكمن فيها هدفه الذي يريد إيصاله للمتلقي، كما أن له غايته التي يريد تحقيقها من خلال العمل القصصي.